آخر المقالات

اليهود بعيون مفكر.. قراءة في كتاب اليهود في تاريخ الحضارات الأولى لـ جوستاف لوبون

عدد مشاهدات الموضوع:

كتبه: محمد عبد الكريم تمراز


الديانة اليهودية وأتباعها كانت وما زالت مادة جيدة للبحث، وذلك لما لأفكارهم من آثارٍ واضحة في عالمنا اليوم؛ فهم وإن تركوا جلَّ الدين في الظاهر، إلا أنهم ما زالوا ينهلون من منبعه ما يروقهم ويحقق أطماعهم. هب أنهم أجمعوا -على بكرة أبيهم- أنهم ألحدوا وتركوا هذه النصوص القديمة؛ فلن يتخلوا عن الفكر الناتج عنها وستظل هذه الأفكار التاريخية ذات قدسية خاصة بصفتها الديوان التاريخي لهذه الجماعة.
لم يغفل جوستاف لوبون أفكار هذه الجماعة وهو أحد أبرز المفكرين الفرنسيين في القرن التاسع عشر، وله كتابات متفرقة تهتم بطبيعة الشعوب وطريقة تفكيرها، وتناول في بعض أبحاثه الشخصية اليهودية، ولكن من الناحية الجماهيرية، أي دراسة طبيعة اليهود كجماعة متصلة، وما ينتج عن هذه الوحدة من سلوك بشري يستحق الدراسة.

نبذة عن الكتاب



الحقيقة أن الكتاب لم يكن مستقلًا في البداية؛ فهو عبارة عن فصلٍ في كتابٍ ضخم يتناول الحضارات الأولى، ونُشر في كتاب مستقل لما له من أهمية؛ إذ إن لوبون اتبع منهجًا غير تقليديٍ فيه، وفي هذا يقول مترجم الكتاب (عادل زعيتر): «بيد أن كتاب الحضارات الأولى ذلك يشتمل على جزء صغير بالغ الخطورة خاص باليهود، ففي هذا الجزء تحرر العلامة لوبون من نير التقاليد الموروثة في الغرب، كما تحرر في غيره من كتبه، فانتهى إلى نتائج مهمة إلى الغاية»
يقع الكتيب في 70 صفحة ويشمل أربعة فصول وهي وفق الترتيب التالي:
-       البيئة والعرق والتاريخ.
-       نظم العبريين وطبائعهم وعاداتهم.
-       دين بني إسرائيل.
-       الآداب العبرية.

الفصل الأول (البيئة والعرق والتاريخ)



تناول لوبون في هذا الفصل الحديث عن نصيب اليهود في الحضارة الإنسانية فاستهل الحديث قائلًا: «لم يكن لليهود فنونٌ ولا علومٌ ولا صناعةٌ ولا أيُّ شيء تقوم به حضارة، واليهود لم يأتوا قطُّ بأية مساعدة مهما صغرت في شَيْد المعارف البشرية، واليهود لم يجاوزوا قطُّ مرحلة الأمم المتوحشة التي ليس لها تاريخ، وإذا ما صارت لليهود مدنٌ في نهاية الأمر، فلِمَا أدَّتْ إليه أحوال العيش بين جيرانٍ بلغوا درجةً رفيعةً من التطور، بَيْدَ أن اليهود كانوا غايةً في العجز عن أن يقيموا بأنفسهم مدنهم ومعابدهم وقصورهم، فاضطروا في إبَّان سلطانهم، أي في عهد سليمان، إلى الاستعانة بالخارج، فجلبوا منه لذلك الغرض بنَّائين وعمَّالًا ومتفننين لم يكن بين بني إسرائيل قِرْنٌ لهم»
 وهو بذلك يسقط كل المزاعم التي يتغنى بها أولئك القوم في كل محفل لهم أنهم ساهموا في تشكيل الحضارات الإنسانية في كل بقعة اتخذوها موطنًا لهم، فهم على الرغم من معاصرتهم لحضارات عظيمة أثرت في تاريخ الإنسانية إلا أنهم لم يغادروا الهامش، وإن ادعوا غير ذلك.
ويستمر لوبون في النقد المباشر لهم ولعقيدتهم فيقول عن العهد القديم: «وإذا عَدَوْت العهد القديم وجدت بني إسرائيل لم يؤلِّفوا كتابًا، والعهد القديم هذا لم يشتمل على شيء يستحق الذكر، سوى ما جاء فيه من بعض الشعر الغنائي، وأما ما احتواه من أمور أخرى، فيتألف من رُؤى أناسٍ متهوسين، ومن أخبارٍ باردة وأقاصيصَ داعرةٍ ضارية.»  وقد ذكر ذلك ليوضح أنهم يفتقدون لأبسط ما كانت تتركه الحضارات وهو بعض الكتابات التي تدل على مكانتهم.
ثم يتناول في هذا الفصل تاريخ اليهود موضحًا أنه تاريخ بدأ مع بداية ظهور ملوك بني إسرائيل ويوضح طبيعة الفترات التي عاشوها بصورة شاملة.

الفصل الثاني (نظم العبرانيين وطبائعهم وعاداتهم)


تناول لوبون في هذا الفصل طبيعة حياة العبرانيين ووصفهم بالتوحش والبدائية، وظل أمرهم كذلك حتى آخر مراحلهم التاريخية وأنهم اتبعوا النظام الرعوي البدائي الذي يتسم به أهل البادية، وانتقد أيضًا الهيكل قائلًا أنهم لا يتقنون البناء وحتى هيكلهم هذا لم يبنوه بأنفسهم حسب ما ذكر لوبون، وانتقد قصور ملوكهم لأنها لم تقم بأيديهم ولم ترق إلى قصور مصر والعراق القديمة.
ثم تناول بعض التشريعات الدينية منها ما هو محمود بالطبع مثل: قيمة الوفاء بين الأزواج وتجريم الزنا، لكن بعضها يبدو غير عادل مثل ما ذكره بشأن اغتصاب الفتاة أنها تعد مذنبة لأنها تركت نفسها دون طلب المساعدة.
ختم لوبون هذا الفصل قائلًا: «إذا أُريد وصف المجتمع اليهودي من ناحية النُّظُم، أمكن تلخيصه في كلمتين وهما: نظامٌ رعائيٌّ من طبائع المدن الآسيوية الهَرِمة وذوقها وعيوبها وخرافاتها. ويُعرِب حِزْقيال عن ذلك الرأي في الفصل السادس عشر، حين يذكر ظهور الشعباليهودي الحقير وأوائله الهزيلة وما عقب استقراره بفسلطين من الحُمَيَّا، فيقول مخاطِبًا تلك الأمة العاقة قائلًا باسم يَهْوَه: وفي جميع أرجاسك وفواحشك لم تذكري أيام صِبَاك، وإذ كنتِ لم تشبعي زَنَيْتِ مع بني آشور ولم تشبعي، فلذلك أقضيعليك بما يُقضَىعلى الفاسقات وسافكات الدماء، وأجعلك قَتِيلَ حَنَقٍ وغَيْرةٍ.»

الفصل الثالث (دين بني إسرائيل)



بدأ هذ الفصل بجملة لخصت مراده فقال: «لم تكن الديانة اليهودية في كل زمن مطابقة لما نسميه اليوم باليهودية»
تطرق بعد ذلك إلى التدرج الذي نشأ في اليهودية موضحًا أنهم مروا بمراحل مختلفة باختلاف طبيعة ما عايشوه، وبذلك فإن إله بني إسرائل أيضًا ليس ثابتًا – حسب ما ذكر لوبون- وبرهن على ذلك أن ربهم في سيناء ليس نفسه الذي يعبدوه اليوم، وفرق لوبون بين يهوه وإلوهيم فهو يرى أنهما إلهين لكل منهما صفاته المستقلة، وقد برهن لما قال بتأثر اليهود بالشعوب التي جاوروها.
كأنه أراد من ذلك أن يوضح أن دين بني إسرائيل تم تشكيله على مر السنوات؛ ليصل إلى صورته الحالية، أي أنه صار حسب المتغيرات التاريخية، وأحداث الزمان.
ويرى أن بعض المنطقيات التي وردت في العهد القديم إنما هي مستقاة من التراث البابلي، وذلك لأنهم يعجزون أن يتفكروا في بعض الأمور الوجودية مثل خلق الكون، والإنسان، وبعض الأمور التي وردت في سفر التكوين.
ويختم فصله هذا بقوله: «وليس علينا أن نبحث هنا كيف يمكن ذلك؛ فقد سرنا واليهود حتى الزمن الذي عادوا لا يؤلفون فيه أمةً، فلا نرسم التحولات التي عاناها فكرهم بتعاقُب الأجيال بعد ذلك، وقد بيَّنَّا بما فيه الكفاية، التطورَ الذي أضحت به المذاهب الكلدانية دين اليهودية، بعد أن انتحلها هذا الشعب الجديد، فمن مجاوزة حدود هذا الكتاب أن نُبيِّن كيف صار دينُ اليهود المشتق من المعتقدات الكلدانية، الدينَ الكبير الذي هَيْمَنَ على أمم أوروبا المتمدنة نحو ألفَيْ سنة، وذلك باقترانه بالأساطير الآرية».

الفصل الرابع (الآداب العبرية)



يتناول في هذا الفصل الآداب التي خلفها اليهود وهي في جلها أدب ديني؛ فيقول على الرغم من أنهم لم يتركوا بصمة في عالم الفن أو الصناعة لكن لا يمكن أن نغفل بعض الآداب التي نسبت إليهم، وقد تحدث في هذا الفصل بصورة غير مباشرة عن النبوة وكأنها نوع من الأدب فساوى بين الشاعر والنبي فقال: «وعند العبريين سار الشعراء أو الأنبياء على سُنَّة الشعوب السامية، حتى في زمن الرخاء، حتى في زمن الجاه، حتى في أيام العهد الملكي الأولى، كان أولئك الذين يسمعون أقوى الكلام يتمثلون هذا الكلام في العزلة، فيبدون من ذوي الهوس والجرأة والخيال. وللساميين في البادية فتنةٌ لا تُقَاوَم، فكان يُحن إلى آفاقها الواسعة حتى في قصور الأرز والذهب التي شادها سليمان، والبادية كانت توحي إلى كبار مرتِّلي بني إسرائيل، كانت توحي إلى أيوب وإِشَعْيا وإِرْمِيا وحِزْقِيال، وأقدم المزامير أسنى من غيره بدرجات، والمزامير وُضِعت لا ريب تحت الخيمة قبل الاستقرار النهائي بفلسطين.»
في هذا الفصل تطرق أيضًا إلى أسفار موسى عليه السلام ورأى أنها قوانين كلدانية ذات محتوى دقيق، وتناول النصوص الدينية من الناحية الأدبية كما ذكرت.

نتائج الكتاب

انتهى لوبون في كتابه إلى عدة نتائج هي:
1-    لم يكن لليهود فنونٌ ولا علومٌ ولا صناعةٌ ولا أيُّ شيء تقوم به الحضارة، واليهود لم يأتوا قطُّ بأية مساعدة مهما صغرت في شَيْد المعارف البشرية.
2-    قدماء اليهود لم يجاوزوا أطوار الحضارة السفلى التي لا تكاد تُميز من طور الوحشية.
3-    تاريخ اليهود الكئيب لم يكن غير قصة لضروب المُنكرات، فمن حديث أن الأسارى الذين كانوا يُوشَرون بالمنشار أحياءً، أو الذين كانوا يُشوَوْن في الأفران، فإلى حديث الملِكات اللائي كنَّ يُطْرَحْن لتأكلهن الكلاب.
4-    فلسطين أو أرض الميعاد، لم تكن غير بيئة مختلَقَة لليهود، فالبادية كانت وطنهم الحقيقي.

لتحميل كتاب اليهود في تاريخ الحضارات الأولى اضغط هنا



ليست هناك تعليقات