آخر المقالات

فرويد واليهودية قراءة في كتاب موسى والتوحيد

عدد مشاهدات الموضوع:

كتب: محمد عبد الكريم تمراز

تمهيد

سيجموند فرويد اسمٌ لمع في علم النفس بصورةٍ خاصة، وبآرائه -المخالفة لمعاصريه- حول الأفكار الدينية بصورةٍ عامة، إن فرويد على الرغم من نقد أفكاره لكنها ما زالت تشكل عند البعض أفكارًا ذات قدسيةٍ لا يمكن المساس بها، في هذا المقال سنتناول أهم الأفكار التي تخص اليهودية والتي وردت في كتاب (موسى والتوحيد)

نبذة عن الكتاب

صدر الكتاب لأول مرة باللغة الألمانية عام 1939 وهو يحمل أفكار تهدم أساس عقيدة وديانة موغلة في القدم، نقل الكتاب إلى اللغة العربية الأستاذ/ جورج طرابيشي ونشرت طبعته الأولى عام 1973 وهي النسخة التي بين يدي.
يقع الكتاب في ثلاثة فصول، والفصول الأولى تتناول شخصية موسى عليه السلام وعلاقته بالجماعة اليهودية ثم يتناول التوحيد، وفي القسمين الآخيرين يتحدث عن فرضيات تاريخية ويسقط أفكاره التي تتعلق بحقيقة الدين.
يستهل فرويد كتابه بالحديث عن شخصية موسى عليه السلام، ومن خلاله ينطلق إلى حقيقة هذه الجماعة المقدسة، ويضع فرضيات تاريخية ربما تنفي شخصية موسى عليه السلام من التاريخ وفقًا لما يراه فرويد.
أفرد المؤلف لجماعة بني إسرائيل القسم الثاني في الكتاب ثم تناول بعض المشكلات التي شكلت طابع الشخصية اليهودية، ويعود من جديد للحديث عن شخصية موسى عليه السلام والذي أطلق عليه لقب الرجل العظيم.

موسى في الكتاب
نبذة

بدأ فرويد الكتاب بحديثه عن موسى عليه السلام لكنه مهد لذلك لعلمه بقداسة موسى بن عمران في نفوس اليهود قديمهم وحديثهم؛ فقال: «إن تجريد شعب من الشعوب من الرجل الذي يحتفي به على أنه أعظم أبنائه ليس بمهمة بهيجة ينجزها المرء بخفة قلب لكن ليس ثمة اعتبار -مهما جل- بقادر على إغوائي بتجاهل الحقيقة باسم مصلحة قومية مزعومة» وكأنه قدم لليهود نيته الحقيقية في هدم أكبر رموز عقيدتهم، وكأنه بهذه الأسطر أراد أن يرد على مهاجميه المحتملين قبل أن يخرج كتابه للنور.
موسى المصري
اسم موسى

بدأ فرويد هذه النقطة بعدد من الفرضيات حول حقيقة وجود موسى عليه السلام، وقال إن دليل وجوده لم يظهر لنا إلا من خلال الكتب المقدسة، وإن كان بالفعل موجود فإن تاريخه ربما يعود إلى القرن الثالث عشر قبل الميلاد، ثم يبدأ بوضع فرضية حول حقيقة موسى وهي أنه شخصٌ مصريٌ ووضح ذلك من خلال اسم موسى ومعناه وأنه لا علاقة به باللغة العبرية، وإن تفسير المعنى هو تفسير شعبي متداول.
ذكر فرويد أن اسم موسى عليه السلام ليس عبريًا وربما يكون مشتق من اللغة المصرية القديمة ودعم رأيه بالنقاط التالية:
1-   من غير المعقول الافتراض أن أميرة مصرية تعرف أصول الاشتقاق في اللغة العبرية.
2-   من المؤكد تقريبًا أن الماء الذي انتشل منه الصبي لم يكن ماء النيل.
ثم يتناول أمثلة من اللغة المصرية القديمة ليبرهن على رأيه فيقول إن اسم موسى في المصرية يعني طفل، ومثال ذلك نجد في اللغة المصرية «بتاح - موس» أي بتاح الطفل.

 مصرية موسى

يرى فرويد أن موسى -عليه السلام- محرر بني إسرائيل لا ينتسب إلى هذه الجماعة، لكنه كان مصريًا وأيد ذلك كما ذكرنا بالجذر الاشتقاقي للاسم، كما أضاف نقطة خرافة المولد قائلًا إن السرد القصصي لميلاد البطل شأنه شأن العديد من الأساطير المتداولة في الشرق أن يولد البطل ميلادًا معجز ثم ينشأ في كنف أسرة عريقة ويشب عن الطوق ويبحث عن والديه وينتصر لنفسه، وضرب مثالًا لذلك وهو سرجون الأكدي وقال إن هناك بعض التغييرات في قصة موسى لتكون مقبولة.

إذا كان موسى مصريًا
في هذا الفصل يستكمل فرويد فكرته أن موسى مصري هذا إذا سلم فرويد بحقيقة وجوده، ويضع معضلة جديدة؛ فيقول إذا كان موسى مصري ينتمي إلى هذه الدولة العظيمة فكيف له أن يتزعم جماعة من المهاجرين لبدء حركة فكرية جديدة؟!
خرج فرويد بعدد من التبريرات لهذا الأمر فقال على الرغم من ان ديانة المصريين القدماء تتعارض مع الديانة التي أتى بها موسى، لكن الناظر إلى تاريخ أديان مصر يجد أنهم عرفوا نوعًا من التوحيد؛ فربما يكون موسى تمسك بهذا الفكر التوحيدي ونشره بين الجماعة المهاجرة.
وقال بناءً على الرأي السابق: »لم يهب موسى اليهود دينًا جديدًا فحسب، بل أسس أيضًا عادة الختان التي لها أهميتها القصوى من مظور المشكلة التي تستأثر باهتمامنا« واستخدام كلمة اليهود من قبل فرويد في هذا الصدد غير موفق لأن الاستخدام الدلالي لكلمة يهود لم يظهر في التاريخ إلا في فترات متأخرة. وقد دلل على العلاقة بين أديان مصر القديمة وديانة موسى الحديثة من خلال عادة الختان وقال إنها عادة مصرية وفقًا لما ذكره هيرودوتس.
موسى وشعبه والتوحيد
انطلق فرويد في هذا الفصل من خلال قسمين: قسم تناول فيه فرضية تاريخية وقسم آخر تناول فيه طبيعة بني إسرائيل، والحديث عن التوحيد «اليهودي» وبدأ حديثه في هذه النقطة بتمهيد تاريخي ليتناول طبيعة هذه الجماعة فقال: 
«فاليهود يؤمنون حقًا بأنهم شعب الله المختار، ويحسبون أنهم أقرب ما يكونون إليه، وهذا ما يمحضهم الثقة والكبرياء، ولقد كان مسلكهم في العصر الهيليني طبقا لما ورد في القصص التي هي أهل للتصديق لا يختلف عنه اليوم»
ما زال فرويد في هذا الفصل يؤكد على أفكاره حول طبيعة موسى عليه السلام كونه اختلق ديانة جديدة، وما زال يغذي مقالاته بأفكاره حول طبيعة الدين التي تناولها في كتابه (الطوطم والتابو) ولن أخوض في الكتاب أكثر من ذلك، لكن من خلال ما سبق لا يتوهم أحد أن فرويد كان كارهًا ليهوديته بل إنه -وإن انتقدها- كان فخورًا كونه ينتسب إلى هذه الجماعة.

هناك تعليق واحد: