آخر المقالات

كيف بدأ الدين (1) قصة الخوف

عدد مشاهدات الموضوع:

 

لعلك تصفحت أحد الكتب التي تتحدث عن أديان الشعوب وعقائدها؛ فتقع عينك أول ما تقع على حياةٍ بدائيةٍ يعيش فيها مجموعات من البشر غريبي الأطوار، أولئك الذين يسكنون العراء ويتخذون من السماء سقفًا ومن الأرض أسرة، ويعيشون على الصيد والزراعة، صورة متنغامة الألوان أصر عليها الكثيرون من باحثي الأديان، لكن لا أظن أن الحقيقة تكمن في هذا السرد السطحي، ولماذا نضع دائمًا التصور من البداوة إلى الحداثة، ألا يمكن أن نعكس الصورة قليلًا لتكون وفق الآلية التالية:

راقٍ للغاية __________ فجوة تاريخية_________بداية جديدة_______راقٍ للغاية

إن نظرية بدائية الإنسان ليست صائبة بالكلية بل تحمل بين طياتها العديد من الأفكار الهشة، ولن أناقشها الآن، ولعلي أكون أكثر وضوحًا معك وأنقلك معي إلى رحلة لنتلمس الأسطورة ونحكم عليها بموضوعية، لنذهب سويًا إلى رحلة عبر التاريخ لنستكشف أسطورة الخوف.

******

مجموعة من البشر اتفقنا أن نطلق عليهم اسم البدائيين، على الرغم من إنني لا أميل إلى هذا الاسم فإن ذلك الإنسان الذي يضع نظامًا للحياة وقوانين يعاقب بها المخالف بل وينقل ثقافته إلى أجيالٍ متعاقبة، لا أراه يختلف عنَّا كثيرًا نحن ساكني المنازل وممسكي الهواتف النقالة! لنعد إلى هذه المجموعة من الصيادين الذين تلقوا تدريبهم من الطبيعة مباشرةً، يقفون بحذر ليقتنصوا صيد اليوم من أجل الحصول على الطعام، ويعودوا إلى أدراجهم حاملين معهم ما لذ وطاب من الطعام الممزوج بجهد الصيد ومشقة الانتظار. رجلٌ يجلس بين جموع القبيلة إذا تصورنا ملامحه تجده كأنه وُلد من هذه الأرض وصبغته الشمس بسياط آشعتها حتى بدت ملامحه على ما هي عليها، هذا الرجل سيكون لنا معه قصة في مقالٍ آخر لكن لنعد إلى أسطورة الخوف.


الأجرام السماوية تبدو أكثر وضوحًا في الأماكن النائية المظلمة، كما أنها دليل يرشد عابري هذه الأدغال لتكون لهم مرشدًا يهديهم إلى السبيل الصحيح، ولكن دوام الحال من المحال، فبين فينةٍ وأختها تنقلب السماء وأجرامها؛ فتتلبد الغيوم المحملة بالأمطار لتعلن ثورتها على السكون ويتبعها مدافع الرعد وأنوار البرق لتبعث الخوف في النفوس، ويبحث كل فردٍ على مأوى يقيه شر المنقلب، وهنا ينسج خيال الباحثين القصص عن نشأة الدين من الخوف، خاف الإنسان من الطبيعة وتقلباتها، ارتعدت أطرافه من هول غزارة الأمطار ولمع البروق، وانحنت عيناه عجزًا أمام وهج الشمس التي لا تأبه بمن تحتها، ووضع يديه في أذنيه خشية صوت الرعد الذي يبث الخوف في النفس، لذلك انطلق الإنسان يفكر كيف يسترضي هذه الطبيعة ليمكنه أن يعيش آمنًا بين جوانبها.

هل الخوف واحد؟ بالطبع لا فالشعوب التي كانت تسكن الشرق الأقصى كانت تخشى السماء وما تحمله بين طياتها، وأطلقوا اسم إله السماء الزرقاء تقديسًا لما فوقهم (تانجري – تنجر) بينما من عاش في نصف الكرة الآخر أقاموا حضارة عظيمة (الأزتيك) وانتابتهم فكرة أخرى ليس مجرد خوف من السماء بل ركزوا عقيدتهم على الشمس ونسجوا لها أسطورة عجيبة، الأمر الذي دفعهم إلى إرضائها كل صباح لقرونٍ متتابعة، لكنهم على الرغم من المدنية التي وصلوا إليها في التشييد والبناء، كانوا يقدمون بني جلدتهم من البشر قرابين لآلهتهم الزائفة، وهنا نقف عند فكرة القرابين البشرية ولنا معها مقال مستقل. لم تنه أسطورة الخوف بعد هذه بداية لها، وما زالت الفصول تتوالى لنصل إلى فكرةٍ كاملة عن الدين كيف عرفه البشر؟!

ليست هناك تعليقات