آخر المقالات

تجربة سجن ستانفورد

عدد مشاهدات الموضوع:


شهد العالم ـ منذ فجر التاريخ ـ صورًا من التعذيب والعنف، مثلُ المسرح الروماني وتمزيقِ أشلاء الضحايا وسط تهليلٍ وبهجةٍ من السادة، ومحاكمُ التفتيش وإبداعُ الإنسان في صُنْعِ آلات التعذيب والقتل، مرورًا بالحروب المدمرة التي تحرق الأخضرَ واليابس، ومع التطور الذي شهده العالم كان للعنف نصيبٌ من هذه الطفرة العلمية، فظهرت نازيةُ هتلر وفاشيةُ موسوليني والحروبُ العالميةُ المدمرةُ والقنابلُ الذريةُ التي لا تبقي ولاتذر، والتجاربُ التي أجريت على أسرى الحروب كأنهم فئران معاملٍ بلا رحمة، كل هذا وأكثر جعل أحد العلماء يسأل عن سر هذه الرغبة الدموية هل هي غريزة بشرية أم أن العالم وما يمر به من أحداث صاحب الأثر في صنع شخصية الجلاد، هل السادية والعنف فطرة فُطِر الناسُ عليها؟ أم أنه مرضٌ خبيثٌ إلى زوال؟. أجريت تجربة علمية بحثت عن إجابة لهذه الأسئلة وهي:

 تجربة سجن ستانفورد

 في سبعينيات القرن الماضي عرضت البحريةُ الأمريكيةُ على عالمِ النفسِ الأمريكي فيليب زيمباردو تمويلَ تجربةٍ علميةٍ تحت إشرافِ جامعةِ ستانفورد من شأنِهَا البحثُ في فَهمِ حقيقةِ الصراعاتِ التي تحدث داخل السجون، وكذلك فهم تحول السلوك لدى الأسخاص عند امتلاكهم للسلطة المطلقة، أو تمرد بعض الأشخاص عند تعرضهم للظلم والقمع، وذلك عن طريق إجراء محاكاة لسجن وملاحظة التغييرات التي ستطرأ على الأفراد، واهتمت التجربةُ بدراسةِ استجابة الشعوب تحت الحكم القمعي هل ستثور يومًا ما؟!أم تبقى خاضعةً وراضيةً بالذل؟.

 هدف التجربة

لخص زيمباردو هدف هذه التجربة قائلًا: “لنفترض أن مجموعة من الأشخاص الصحيحين نفسيًّا وجسديًّا علمت أنها ستخضع لظروف مماثلة لظروف السجن، وأنها ستخسر بعض حقوقها المدنية، هل سيتأثر أولئك الأشحاص الطيبون بوضعهم في هذا المكان السيء المليء بالشر؟ هل سيطغى الخير على الشر؟ ولماذا تصبح السجون مكانًا خصبًا للعنف والجريمة؟ هل بسبب طبيعة المسجونين؟ أم أنها نتيجة لتأثير التآكل في هيكل السلطة من السجون نفسها”؟

بداية التجربة

تم الإعلان عن التجربة في الصحف للحصول على متطوعين مقابل 15$ يوميا، للمشاركة في تجربة مدتها أسبوعين، ولاقى الإعلان قبولًا واسعًا واستجاب 70 شخصًا، اختار زيمباردو منهم 24 شخصًا فقط، كانوا الأكثر ملائمة من حيث الاستقرار النفسي والصحة البدنية، واشتراكهم جميعًا في الرفض التام لكل صور العنف وأشكاله، وجميعهم بدون أي سوابق إجرامية، غالبيتهم كانوا من البيض، ومن الطبقة الوسطى، وهم جميعًا طلاب في المرحلة الجامعية.


قُسموا إلى مجموعتين واحدة تمثل السجناء والأخرى تمثل السجانين ومن العجيب أن السجناء صرحوا فيما بعد أنهم ظنوا أن الاختيار تم بناءًا على البنية الجسدية، لكن الواقع أنهم فرزوا بالقرعة باستخدام قطعة نقود
وتحدث زيمباردو مع السجانين وأخبرهم أن مسؤولية السجن تقع على عاتقهم وأن القواعد في التجربة هي "لاقواعد"حيث لا توجد أي قواعد أو خطوط أو توجيهات محددة، فقط يمنع استخدام العنف الجسدي تحت أي ظرف، وقال زيمباردو للحراس: “متاحٌ لكم أن تشعروهم بشيء من الخوف والخمول ، وتوحوا لهم أن النظام يسيطر على تفاصيل حياتهم، حيث لا توجد خصوصيات ، سنسلب شخيصتهم الحقيقية، وبهذا تكون لنا السلطة المطلقة عليهم"


وبالنسبة للسجناء أخبرهم أن يظلوا في بيوتهم، بعدها قام الحراس بإلقاء القبض عليهم فجأة وأعصبوا عيونهم حتى لا يعرفوا مكان السجن مكبلين بالأصفاد، ، وتم إخضاع السجناء لإجراءات الاعتقال التقليدية بما فيها التسجيل، وأخذ البصمات، والتقاط الصور، كما تليت عليهم حقوقهم تحت الاعتقال، واقتادوهم إلى سرداب قسم علم النفس بجامعة ستانفورد المعد للاختبار حيث تم تفتيشهم عراة، وتنظيفهم من القمل.

 بداية النهاية!!

 بدأ الحراس بالسخرية من أجسادهم وألبسوهم ملابس فضفاضة دون ملابس داخلية  وهو أمر رجح زيمباردو أنه سيجبرهم على التأقلم مع عادات ووضعيات جسمانية غير مألوفة ومزعجة، وقد رمز إلى كل سجين برقم عوضًا عن اسمه، وقد خيطت الأرقام على ملابسهم، وأجبروا على ارتداء قبعات من النايلون حتى يبدون حليقي الرأس، كما وضعت سلسلة صغيرة عند الكاحل حتى يشعروا بالإهانة والاضطهاد وتضمن هذا السجن الصوري ثلاث زنازين كل زنزانة تحتوي على ثلاثة أسرة، إضافة إلى غرفة صغيرة جدا للحبس الانفرادي، واستخدمت بقية الغرف من قبل حراس السجن، وعلى عكس المساجين تمتع الحراس بدوام على شكل دوريات، يعودون إلى بيوتهم بعد انقضائها.
ومع بدء التجربة تُركت مجموعة المتطوّعين تحت المراقبة من خلال كاميرات مراقبة خفية ومسجلات صوت ولكن دون تدخل مباشر، ومر اليوم الأول بسلاسة دون ما يستحق الذكر لدرجة أن زيمباردو قال: “أن هذه قد تكون تجربة طويلة ومملة جدًا، لأنه لا يمكن تصور أن يحدث أي شىء أبدًا”.



ولكن العجيب أن السجناء صباح اليوم التالي أصبحو متمردين وأعلنوا العصيان دون هدف محدد بقيادة أحد زملائهم، وحتى يكون الأمر رادعًا تم نقل ذلك السجين إلى الحبس الانفرادي، وتحول الحراس إلى المساجين الآخرين لتأديبهم، حيث أيقظوهم في منتصف الليل وجعلوهم يقوموا بوظائف جسدية وضيعة كتنظيف المراحيض بأيديهم مباشرةً. كان المثير للاستغراب هو تطوع الحراس للعمل ساعات إضافية للقضاء على التمرد رغم علمهم أنها بدون أجر، وكنوعٍ من التفرقة بينهم فصلوا بينهم في الزنازين واحدة للجيدين وأخرى للمتمردين ونجح الأمر حيث ظن السجناء أن بينهم جواسيس لنقل أخبارهم ولم يعودوا يثقوا في بعضهم ولم يظهر التمرد الأمر الذي جعل السجين صاحب فكرة التمرد يرفض تكملة التجربة لكن زيمباردوا هدده بدفع غرامة فعاد إلى زنزانته ليخبر باقي السجناء أنهم لن يمكنهم الرحيل أبدًا، وخرجت التجربة عن السيطرة فبدأ الحراس بممارسة أفعالٍ ساديةٍ مع السجناء وإهانتهم بشتى الطرق.
وصار دخول الحمام امتيازًا قد يُحرم منه السجين وأخرجوا الوسائد من الغرف وأجبروهم على النوم على الأرض عراة، مع التقدم في التجربة ازداد العنف لدى الحراس وظنوا أن الكاميرات لا تعمل في فترة الليل وأصبحوا ساديين لدرجة مخيفة حيث كانوا يعرضوا المساجين أمام المراحيض بشكلٍ فيه ذل


 ومن هنا بدأ الحراس في التحول الجذري إلى أشخاص أكثر قسوةً وعنفًا، وقال المشرفون على الاختبار بأن واحدًا من كل ثلاثة حراس تقريبًا أظهر ميولًا سادية حقيقة، حتى أن معظم الحراس انزعجوا عندما تم إجهاض التجربة قبل الوقت المحدد لها، وقد أثار زيمباردو أن كلهم تقمصوا أدوارهم بدقة عالية حتى أنهم عرضوا على المساجين تقديم طلبات لتخفيض مدة السجن بمقابل التنازل عن بعض المستحقات فوافقوا وأرسلوا مطالبهم لكنها رُفضت والغريب أن السجناء لم ينسحبوا من التجربة وكأنهم سجناء في سجن حقيقي.
وباتت الحدود بين التظاهر وبين الحقيقة غير واضحة حتى بالنسبة لزيمباردو نفسه الذي راقب السلوك المسيء للحراس عن كثب بدوره رئيس الحرس لا بدوره عالم نفس يشرف على تجربة علمية، واستمر ذلك حتى أتى اليوم السادس الذي حضرت الباحثة “كريستينا ماسلاتش” – خطيبة زيمباردو – آنذاك وزوجته لاحقًا، وصدمت من الوضع الكارثي للسجن، وشككت في أخلاقية الاستمرار بهذه التجربة، ليفيق الجميع من الغيبوبة التي سقطوا فيها بما فيهم زيمباردو نفسه الذي اندمج هو نفسه في الدور، وبناءً عليه قرر زيمباردو إجهاض الاختبار قبل الموعد بعد انقضاء 6 أيام فقط وهذه التجربة دليلٌ على أهمية وجود دينٍ يحكم السلوك البشري وصدق الله عز وجل حين قال الا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير.

ليست هناك تعليقات