يعقوب القرقساني وكتابه الأنوار والمراقب (4) Ya'qub al-Qirqisani
المقالة الخامسة، نهاية
الباب السادس والعشرين، بداية الباب السابع والعشرين (في كون النهر وغيره من خارج
إلى داخل وكذلك البئر هل ذلك جائز أم لا / نيموي: في كَوْن النهر في المنزل
وجَرْيه من الخارج إلى داخل البيت وكذلك البئر هل ذلك جائز أم لا)
(The
British Library, Or. 2579)
الحمد
لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وبعد ..،
عرضنا
في المنشورات السابقة نبذة عن حياة يعقوب القرقساني، أحد أبرز علماء اليهود
القرائين في النصف الأول من القرن العاشر الميلادي، وكذلك ألقينا الضوء على
مؤلفاته وملامح فكره الديني، ثم انتقلنا إلى تبيان أهمية كتاب الأنوار والمراقب
ومضمونه. ويمكن مراجعة المنشورات السابقة من هنا (حياته)، وهنا (مؤلفاته)، وهنا (أهمية الكتاب ومضمونه).
رابعًا:
كتاب الأنوار والمراقب (الاهتمام العلمي):
بالنسبة إلى الاهتمام العلمي بالكتاب، فإن المؤرخ والمستشرق اليهودي الروسي "أبراهام هاركافي
Abraham
Harkavy" (1835م – 1919م) يعد أول من اكتشف
كتاب الأنوار والمراقب في أواخر القرن التاسع عشر، وتحديدًا عام 1894م؛ إذ جمع عدة
أجزاء من النص، ونشر قدرًا كبيرًا منها ضمن أعمال الجمعية التاريخية الروسية
الإمبراطورية. وبذلك، فإنه يعد أول باحث
يسلط الضوء على أهمية فكر القرقساني، ومكانته في العالم اليهودي في العصور الوسطى
وفي التاريخ القرائي بشكل عام؛ حيث عدَّه مؤرخًا في غاية الأهمية ومصدرًا أصيلًا
للباحثين والمهتمين بالفرق اليهودية في تلك المرحلة.
ومنذ
اكتشف "هاركافي" الكتاب، فطن الباحثون إلى أهمية هذا الكتاب، فاعتنى به
غير واحد من الباحثين، مثل: العالم اليهودي المجري "فيلهيلم باخر Wilhelm
Bacher" (1850م – 1913م)، صاحب البحث الذي
يحمل العنوان "القرقساني القرائي وعمله عن الفرق اليهودية والمسيحية"
عام 1895م. وفي هذا البحث، يحلل "باخر" أهمية رواية القرقساني لتاريخ
القرائين، ودقة ادعاءاته التاريخية.
كما
اعتنى به أيضًا العالم اليهودي البولندي "صامويل بوزنانسكي Samuel Poznański" (1864م – 1921م). وخلال الأعوام (1898م – 1920م)، نشر عشرات
المقالات التي تناقش كتابات القرائين في سياق الحوارات الجدلية بين سعيد الفيومي
وأوائل زعماء القرائين. وكان يهدف إلى تسليط الضوء على الأساليب التي شُوِّهت بها
الشخصيات القرائية في المصادر اليهودية لتحقيق مكاسب جدلية وأيديولوجية. كما أولى
اهتمامًا بالرواية التاريخية للقرقساني وكيفية تناوله للفرق اليهودية الأخرى.
ومع
ذلك، فإن الأهم بين هؤلاء الباحثين هو العالم اليهودي الروسي "ليون نيموي Leon Nemoy" (1901م – 1998م)، الذي سلط الضوء على أهمية الكتاب
التاريخية والدينية. وفي عام 1939م، بدأ في نسخ كتاب الأنوار بالكامل في نسخة
مكتوبة بخط اليد مطبوعة ضوئيًّا، واستمر العمل حتى عام 1943م؛ حيث أصدره محررًا في
خمسة أجزاء في نيويورك عن دار نشر "أليكسندر كوهوت".
على أن
تقييم الفكر الديني للقرقساني يُنسب في الأساس للبحث الشامل الذي أجراه ثلاثة
علماء بارزين: "حجاي بن شماي Haggai Ben-Shammai" (1939م - ...) (أستاذ فخري في قسم اللغة العربية والأدب
العربي التابع لمعهد الدراسات الآسيوية والأفريقية في الجامعة العبرية بالقدس)، والحاخام
البولندي "يعقوب فرانك Jakub Frank" (1726م – 1791م)، والأكاديمي الإيطالي "برونو كييزا Bruno
Chiesa" (1949م – 2015م).
ومنذ
ذلك الوقت، اعتنى أكثر من باحث بالكتاب. ونذكر مؤخرًا جهود سلسلة التراث الحضاري التابعة
للهيئة العامة للكتاب، التي تعمد حاليًا لإصدار نسخة مشروحة من الكتاب. وقد صدر بعناية
صاحب هذه السطور الجزء الأول عام 2019م، تحت إشراف ودراسة أ.د/ أحمد هويدي.
والسؤال
الذي يطرح نفسه هنا: ما الذي دفع هؤلاء الباحثين للاهتمام بالقرقساني وكتابه
"الأنوار والمراقب"؟
بالبحث
عن إجابة هذا السؤال، تبين أن هذا الاهتمام مردّه إلى عدد من الأسباب:
أولًا: قدم
القرقساني عرضًا تاريخيًّا فريدًا عن الفرق اليهودية، وبعض المعلومات الجديدة
المتعلقة بعدد من الأنشطة الطائفية، بما في ذلك ثورة أبي عيسى الأصفهاني التي تعد
أولى الثورات المعادية للتلمود. ثانيًا: أن النص يعد أقدم محاولة من
محاولات القرائين لكتابة تاريخ الفرقة. ثالثًا: أن الكتاب يعد مصدرًا مهمًّا
عن رأي فرقة القرائين في الفرق اليهودية الأخرى ونشأتها والرد عليها، وكذلك رأي
الفرقة في الإسلام والمسيحية وغيرها.
والحديث
يطول عن الاهتمام العلمي بالكتاب، غير أننا نكتفي بذلك في هذا الموضع. وفي المنشور
القادم –بإذن الله– نسلط الضوء على شيء من الأثر الإسلامي في الكتاب.
◄ يُتبع إن شاء الله
ليست هناك تعليقات